فصل: الجزء الثالث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


كتاب‏:‏ أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاء

باب‏:‏ خَلقِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِه

‏{‏صَلْصَلٍ‏}‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 26‏)‏‏:‏ طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ، فَصَلصَلَ كَمَا يُصَلصِلُ الفَخَّارُ، وَيُقَالُ‏:‏ مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ صَرَّ البَابُ، وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإِغْلاَقِ، مِثْلُ كبْكَبْتُهُ، يَعْنِي كَبَبْتُهُ‏.‏ ‏{‏فَمَرَّتْ بِهِ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 189‏)‏‏:‏ اسْتَمَرَّ بِهَا الحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ‏.‏ ‏{‏أَن لاَ تَسْجُدَ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 12‏)‏‏:‏ أَنْ تَسْجُدَ‏.‏

وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى الارْضِ خَلِيفَةً‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 30‏)‏‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ‏}‏ ‏(‏الطارق‏:‏ 4‏)‏‏:‏ إِلاَّ عَلَيهَا حَافِظٌ‏.‏ ‏{‏فِى كَبَدٍ‏}‏ ‏(‏البلد‏:‏ 4‏)‏ فِي شِدَّةِ خَلقٍ‏.‏ ‏{‏وَرِيَاشاً‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 26‏)‏ المَالُ‏.‏ وَقَالَ غَيرُهُ‏:‏ الرّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ‏.‏ ‏{‏مَّا تُمْنُونَ‏}‏ ‏(‏الواقعة‏:‏ 58‏)‏‏:‏ النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ‏.‏ وَقَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ‏}‏ ‏(‏الطارق‏:‏ 8‏)‏‏:‏ النُّطْفَةُ فِي الإِحْلِيلِ‏.‏ كُلُّ شَيءٍ خَلَقَهُ فَهُوَ شَفعٌ، السَّمَاءُ شَفعٌ، وَالوَتْرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏ ‏{‏فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏ ‏(‏التين‏:‏ 4‏)‏ فِي أَحْسَنِ خَلقٍ‏.‏ ‏{‏أَسْفَلَ سَفِلِينَ‏}‏ ‏(‏التين‏:‏ 5‏)‏ إِلاَّ مَنْ آمَنَ‏.‏ ‏{‏خَسِرَ‏}‏ ‏(‏العصر‏:‏ 2‏)‏ ضَلاَلٍ، ثُمَّ اسْتَثْنى إِلاَّ مَنْ آمَنَ، ‏{‏لاَّزِبٍ‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 11‏)‏ لاَزِم‏.‏ ‏{‏نُنْشِئكُمْ‏}‏ ‏(‏الواقعة‏:‏ 61‏)‏ فِي أَيِّ خَلقٍ نَشَاءُ‏.‏ ‏{‏نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 30‏)‏ نُعَظِّمُكَ‏.‏ وَقَالَ أَبُو العَالِيَةِ‏:‏ ‏{‏فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 37‏)‏ فَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 23‏)‏‏.‏ ‏{‏فَأَزَلَّهُمَا‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 36‏)‏ فَاسْتَزَلَّهُما‏.‏ و‏{‏يَتَسَنَّهْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 259‏)‏ يَتَغَيَّرْ، ‏{‏ءاسِنٍ‏}‏ ‏(‏محمد‏:‏ 15‏)‏ مُتَغيِّرٌ‏.‏ وَالمَسْنُونُ المُتَغَيِّرُ‏.‏ ‏{‏حَمَإٍ‏}‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 33‏)‏ جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهُوَ الطِّينُ المُتَغَيِّرُ‏.‏ ‏{‏يَخْصِفَانِ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 22‏)‏ أَخْذُ الخِصَافِ مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ، يُؤَلِّفَانِ الوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ‏.‏ ‏{‏سَوْءتِهِمَا‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 22‏)‏ كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجِهِمَا، ‏{‏وَمَتَعٌ إِلَى حِينٍ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 24‏)‏ هَا هنَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، الحِينُ عِنْدَ العَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لاَ

يُحْصى عَدَدُهُ‏.‏ ‏{‏وَقَبِيلُهُ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 27‏)‏ جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ‏.‏

واعلم أنهم اختلفوا في اليوم الذي بدأ منه خلق العالم، والتحقيقُ عندي‏:‏ أنه بدأ من يوم السبت المعروف، وانتهى إلى الخميس، وتلك الستة ذَكَرَهَا اللَّهُ تعالى في قوله‏:‏ ‏{‏خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ‏}‏ ‏(‏يونس‏:‏ 3‏)‏، أي يوم الجمعة، ولم يَخْلُقْ فيه شيئاً، فكان هو يومُ التعطيل، وهو يومُ العيد للخَلْقِ‏.‏ وفي التوراة‏:‏ إن مُوسَى عليه السلام كان يَعِظُهُمْ في هذا اليوم، ويُذَكِّرُهُم‏.‏ فَعُلِمَ أن السبتَ كان يوم الجمعة، فلا أَعْلَمُ متى وقع فيه التحريفُ، حتَّى جَعَلُوه أوَّلَ يومٍ من الأسبوع‏.‏ ثُمَّ إن هذه الستَةَ، ستةُ آلافٍ عند ربك‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ‏}‏ ‏(‏الحج‏:‏ 47‏)‏، فالستةُ عنده ستةُ آلافٍ عندنا‏.‏

أمَّا خَلْقُ آدم عليه الصلاة والسلام، فهو وإن كان في يوم الجمعة، لكنه ليست الجمعة المتصلة، لأنه حَصَلَ فيها الاستواء على العرش، ثُمَّ خلقه في جمعةٍ أخرى‏.‏ والله يَعْلَمُ المدَّةَ بين الستة، وبين تلك الجمعة التي خلقه فيها‏.‏ ولذا ترى القرآن لا يَذْكُرْ خَلْقَ آدم عليه السلام مع خلق العالم في موضعٍ، ولكن يَذْكُرُ بعده الاستواء، ليكونَ دليلاً على أنه لم يَخْلُقْ فيما بعده شيئاً‏.‏ ونقل الدَّمِيرِي، عن السُّبْكي في «حياة الحيوان»‏:‏ أن آدم عليه الصلاة والسلام خُلِقَ في الجمعة المتصلة، والتحقيقُ عندي ما نبَّهناك‏.‏ ومن ههنا قيل‏:‏ إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم نبيُّ السابعة من سبعة آلاف‏.‏

ثم الاستواءُ على العرش لبيان نهاية عالم الأجسام، فليس فوق العرش شيءٌ غيرَ حضرة الربوبية، بشأنها التي تَلِيقُ به، وعالم الإِمكان كلُّه تحته، كذا ذكره صاحب «اليواقيت»، عن محدِّثٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويُقَالُ‏:‏ مُنْتِنٌ، يُرِيدُونَ به صَلَّ‏)‏، أي المتغيِّر سترى هوئى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صَرَّ البَابُ‏)‏، أي تصوَّت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أَنْ لاَ تَسْجُدَ‏:‏ أن تَسْجُدَ‏)‏ يريد أن «لا» زائدة‏.‏ قلتُ‏:‏ وترجمته‏:‏ تجهى كس نى منع كياهى كه سجدة هنين كرتا، وعلى هذا لا حاجةَ إلى القول بزيادتها، فهي إذن للبيان بعد الإِبهام في قوله‏:‏ ‏{‏مَا مَنَعَكَ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 12‏)‏ على حدِّ قوله‏:‏ ‏{‏فَغَشِيَهُمْ مّنَ الْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 78‏)‏، وليست مفعولاً لقوله‏:‏ ‏{‏مَنَعَكَ‏}‏، وكذلك لا أقول بزيادة «لا» في قوله‏:‏ ‏{‏لاَ أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ‏}‏ ‏(‏البلد‏:‏ 1‏)‏ فإنها لنفي ما قبلها، وأمَّا القَسَمُ، فعلى ما بعدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏أَسْفَلَ سَفِلِينَ‏}‏‏)‏، ومِصْدَاقُه الأَوَّليُّ ما ذَكَرَه علماء الشريعة، ومِصْدَاقُه الثانويُّ ما ذكره الشيخ الأكبر‏:‏ أنه حيِّزٌ لجهنم التي نحن الآن فيه‏.‏

3326- قوله‏:‏ ‏(‏فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وأنكره ابن خَلْدُون، وقال‏:‏ لم يَثْبُتْ عندنا من حال عماراتهم أنه كان طولهم ستون ذِرَاعاً في زمنٍ، بل بيوتُهم في الارتفاع فيما مضى كما هي اليوم‏.‏

قلتُ‏:‏ سبحان الله، ما حمله على إنكار حديثٍ صحيحٍ عند القوم، مع أنه قد دَلَّ تاريخُ عَادٍ على طول قامتهم‏.‏ وشاهدنا الآن أيضاً الفرق بين المولَّدين في عهد الإِنكليز، وقبله، وبين الحَضَرِيِّ والبدويِّ‏.‏ فإن البدويَّ أبسطُ جسماً، وأطولُ قامةً، وأعرضُ صَدْراً، وأوسعُ هِمَماً بالنسبة إلى الحضريِّ، وكذلك من وُلِدُوا قبل عهد الإِنكليز، كانوا أشدَ قوةً، وأكثرَ طولاً‏.‏ ونحوه قد شاهدنا في الحيوانات أيضاً‏.‏ والذي ينبغي أن يُنْقَدَ في مثل هذا بالحديث الصحيح، لا أن يُحَرَّفَ الحديث، أو يؤوَّل بغير تأويله، ثم هذا فريد وجدي صاحب «دائرة المعارف» محرومٌ عن الإِيمان والخير كلِّه، فَيَنْقُلُ الأحاديثَ، ثم يَسْخَرُ منها، سَخِرَ الله منه‏.‏

3327- قوله‏:‏ ‏(‏سُتُّونَ ذِرَاعاً في السَّمَاءِ‏)‏، أي في الطول، ويُحْتَمَلُ أن يكونَ مرادُ الحديث أنه كان قدر طولهم هذا في الجنة، فإذا نَزَلُوا عادوا إلى القصر‏.‏ فإن الأحكامَ تَتَفَاوت بتفاوُت البلدان، والأوطان‏.‏ كما أن يوماً عند ربك كألف سنةٍ مما تَعُدُّون، فهو يومٌ في العالم العلويِّ، وألف سنةٍ في العالم السفليِّ، هكذا يُمْكِنُ أن تكونَ قاماتهم تلك في الجنة، فإذا دَخَلُوها عادوا إلى أصل قامتهم‏.‏

3329- قوله‏:‏ ‏(‏فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ‏)‏ واعلم أن الأحاديثَ تُخْبِرُ أن الخيرَ والصلاحَ في إِبَّان الساعة يكون بالشام، وقد حَمَلْتُهَا على زمن عيسى عليه الصلاة والسلام‏.‏ وهذا يَدُلُّكَ ثانياً على أن الغلبةَ المعهودةَ إنما هي بالأرض التي يَنْزِلُ بها عيسى عليه الصلاة والسلام، لا على البسيطة كلِّها، وما ذلك إلاَّ من تَبَادُرِ الأوهام فقط‏.‏

3329- قوله‏:‏ ‏(‏زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ‏)‏ قال اليُّهَيْلِيُّ في «الروض الأنف»‏:‏ إن في هذا النُّزُلِ إشارةٌ إلى انتهاء نشأة الدنيا، فإنها إمَّا بحرٌ، أو برٌّ، والبرُّ على الثور، والبحرُ على الحوت، فإذا استعملا في النُّزُل، فقد انتهت الدنيا أيضاً‏.‏‏؟‏‏.‏

3330- قوله‏:‏ ‏(‏لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ‏)‏ وفيه دليلٌ على أن من سَنَّ سنَّةً سيئةً فإنها تتسلسل، وتلزم‏.‏ كقابيل، فإنه قَتَل أخاه، فظهر شُؤْمَهُ في سِبْطِهِ السابع‏.‏ فكانت الدنيا على صرافتها خاليةً عن المعاصي، فجاء شقيٌّ، وسَنَّ معصيةً، ثم تسلسلت، وهكذا إلى أن امتلأت ظلماً وجَوْراً‏.‏ وهذا معنى قوله‏:‏ «لولا بنو إسرائيل لم يَخْنَزِ اللَّحْمُ، ولولا حَوَّواءُ لم تَخُنْ أنثى زوجها»، أي ظهرت معصيةٌ من أحدٍ على وجه الأرض، ثم تسلسلت، وبقيَ أثرُها‏.‏

3331- قوله‏:‏ ‏(‏فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ‏)‏ والمشهور أنها خُلِقَتْ من ضِلْعٍ أيسر‏.‏ ورأيت مصنِّفاً مرَّ عليه، وقال‏:‏ إن آدم عليه السلام انتبه مرَّةً من منامه، فإذا حواءُ جالسةٌ على يساره، وهذا معنى مخلوقة من ضلعٍ، أي رآها مخلوقةً نحو يساره‏.‏ وإنما ذَكَرْتُ هذا الاحتمال، لأن الناسَ في هذا العهد قد تعوَّدوا بإنكار كلِّ شيءٍ لا تُحِيطُ به عقولهم، ما أجهلهم‏.‏ فإنهم إذا أَخْبَرَهُمْ أهل أوروبا بما شاهدوه بالآلات آمَنُوا به، وإن كان أبعدَ بعيدٍ، ولا يَشُكُّون فيه مثقالَ ذرَّةٍ، كقولهم‏:‏ إن الإِنسانَ كان أصلُه قردةً، وكقولهم‏:‏ إن في السيارات عمرانات‏.‏ ثم إذا أخبرهم أصدقُ القائلين عمَّا رآه بعينه، كما قال‏:‏ ‏{‏أَفَتُمَرُونَهُ عَلَى مَا يَرَى‏}‏ ‏(‏النجم‏:‏ 12‏)‏، أو يُخْبِرُ به ربُّه جلَّ وعزَّ‏.‏ إذا هم مُعْرِضُون‏.‏ وحنيئذٍ لا يَمْلِكُ المرءُ إلاَّ أن تتقطعَ نفسُهُ عليهم حسراتٍ، فهداهم الله سواء الصراط‏.‏

3334- قوله‏:‏ ‏(‏وأَنْتَ في صُلْبِ آَدَمَ‏)‏ فيه دليلٌ على أنه كانت لذريته صورة، وهي في صلبه‏.‏ أمَّا الفلسفيُّ، فإِنه يَحْمِلُهُ على كون مادتها في صُلْبِهِ‏.‏

3334- قوله‏:‏ ‏(‏لأَنَّهُ أوَلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ‏)‏، يعني‏:‏ أن الدنيا كانت طاهرةً عن هذه المعصيةِ، وإنما سَنَّها هو، فينبغي أن يكون عليه كِفْلٌ منها‏.‏

باب‏:‏ الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَة

وقد عَلِمْتَ الخلافَ في خَلْقِ الأرواح مع الأجساد، كما اختاره ابن القيِّم، أو قبلها، كما ذَهَب إليه آخرون‏.‏ والظاهرُ من الحديث أنها مخلوقةٌ من قبل‏.‏ فإذا خَلَقَ اللَّهُ الأجسادَ، يُحْدِثُ بين تلك الأرواح والأجساد علاقةً، تسمَّى بالنفخ‏.‏ إلاَّ أن ابن القيِّم أوَّلَهُ أيضاً، وقال‏:‏ إنها حالها في المستقبل، أي تكون جنوداً مجنَّدةً حين تُنْفَخُ في الأجساد‏.‏ والذي نفهم أن التناكرَ والتعارفَ بينها قبل ذلك، ولو تبيَّن لي فيه عقيدةُ السلف، لسلكتُ مدرجهم‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 25‏)‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏بَادِىَ الرَّأْى‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 27‏)‏ مَا ظَهَرَ لَنَا‏.‏ ‏{‏أَقْلِعِى‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 44‏)‏ أَمْسِكِي‏.‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 40‏)‏ نَبَعَ المَاءُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ وَجْهُ الأَرْضِ‏.‏ وَقَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏الْجُودِىّ‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 44‏)‏ جَبَلٌ بِالجَزِيرَةِ‏.‏ ‏{‏دَأْبِ‏}‏ ‏(‏غافر‏:‏ 31‏)‏ مِثْلُ حَالٍ‏.‏

‏{‏وَاتْلُ عَلَيهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنَ المُسْلِمِينَ‏}‏ ‏(‏يونس‏:‏ 71- 72‏)‏‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالى‏:‏ ‏{‏إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ‏(‏نوح‏:‏ 1- 28‏)‏

3337- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ‏)‏ واعلم أنه لا يكونُ مع الدَّجَّالِ إلاَّ تَخَيُّلاَت ليس لها حقائق، فلا يكون لها ثباتٌ، وإنما يَرَاه النَّاسُ في أعينهم فقط دجال كيساته وه كر شمه هوكا جيسا آجكل مدارى راسته مين دكهلاتاهى او سمين صلى الله عليه وسلّم ئيدارى نهين هوتى‏.‏ ولكن نقل الشيخُ المجدِّدُ السَّرْهَنْدِي حكايةً في ذلك تَدُلُّ على أن تَخَيُّلاتِ المُشَعْبِذِين لها أيضاً حقيقةً‏.‏ قال‏:‏ إن رجلاً جاى عند ملكٍ، وقال له‏:‏ إنه يريد أن يُرِيَهُ شَعْبَذَةً، فأجازه، ففعل، حتَّى خُيِّلَ إلى الناس إنه خَلَقَ حديقةً نفيسةً، فلمَّا تمَّت تلك الحديقة، وهم ينظرون، أمر الملك أن يُضْرَبَ عُنُقُهُ، وهو لا يَشْعُرُ به وقد كان الملكُ سَمِعَ من أفواه الناس‏:‏ أن التخييل يَتْبَعُ صاحبَهُ، فإن قُتِلَ يَبْقَى كما هو، فَبَقِيَتْ تلك الحديقةُ، حتَّى أكل منها‏.‏

قلتُ‏:‏ ولو كان الشيخُ سمَّى هذا الملك، أو عيَّن المكان، لكان في أيدينا أيضاً سبيلٌ إلى تحقيقه، حتَّى نَعْلَمَ صِدْقَ الحكاية من كذبها‏.‏ ويُمْكِنُ أن يكونَ الشيخُ الأجلُّ قد بَلَغَهُ ما بَلَغَهُ من أفواه الناس، فإنه لم يَنْقُلْ مشاهدته بعينيه، وإنما نَقَلَ ما بلغ عنده، ففيه احتمالٌ بعيدٌ‏.‏

وصرَّح الشيخ الأكبر في «الفصوص»‏:‏ أن في الإِنسان قوَّةً يَخْلُقُ بها في الخارج ما شاء وأراد، وقد أقرَّ به اليوم أهل أوروبا أيضاً‏.‏ ورأيتُ في رسالةٍ تُسمَّى بديده ودانش‏:‏ أن رجلاً من أهل أوروبا قَصَدَ أن يَذْهَبَ إلى موضع فلانٍ، فَوُجِدَ في ذلك المكان على أثره، مع أنه لم يتحرَّكْ من مكانه‏.‏ فهذا تصوُّرٌ للخيال، فإنه لم يَذْهَبْ، ولا تحرَّكَ على مكانه، ولكن صار خياله مصوَّراً بقوَّته‏.‏ إلاَّ أن ما نَقَلَهُ الشيخُ المجدِّدُ فوق ذلك، فإنه يَدُلُّ على بقاء هذا المخيَّل أيضاً‏.‏ أمَّا تصوُّرُ الخيال، وتمثُّلُه، فممَّا لا يُنْكَرُ، وقد أقرَّ به ابن خلدون أيضاً‏:‏ أنه يُمْكِنُ إنزال الصورة من المَخِيلَةِ إلى الخارج‏.‏ ثم ذَكَرع حقيقتَهُ أنها لا تكون فيها إلاَّ الكميَّة، ولا تكون فيها المادة‏.‏

3338- قوله‏:‏ ‏(‏وَإنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ تِمْثَالَ الجَنَّةِ والنَّارِ‏)‏ والمرادُ من التِمْثَال ما قرَّرنا آنفاً، أي تخيُّلات المُشَعْبِذِينَ‏.‏ وفي «الفتوحات»‏:‏ أن نبيَ الله سليمان عليه الصلاة والسلام كان مرَّةً يصلِّي، فأراه الشيطانُ جنَّةً مخيَّلة، ولكنه عليه الصلاة والسلام بقي على حاله، ولم يَلْتَفِتْ إليها، ثم كَتَبَ أن تلك الجنةَ بَقِيَتْ مدَّةً‏.‏ فلا يُقَالُ في ذلك التِمْثَال‏:‏ إنه كان مشبَّهاً بالجنة والنار، ولكنه يُطْلَقُ عليه الجنة والنار‏.‏ وهذا ما قلتُ‏:‏ إن الضميرَ في قوله تعالَى يَرْجِعُ إلى المسيحِ عليه الصلاة السلام نفسه، فإن شَبَهَ المسيح لا يُقَالُ له إلاَّ المسيح عليه الصلاة والسلام، وقد قرَّرناه مبسوطاً فيما مرَّ‏.‏

3338- قوله‏:‏ ‏(‏فالتي يَقُولُ‏:‏ إنَّهَا الجَنَّةُ هِيَ الناَّرُ‏)‏، يحتملُ أن يكونَ معناه‏:‏ من يَدْخُلُ جنته يكون مآله إلى النار، ويحتملُ‏:‏ أنه من يَدْخُلُ فيها يَحْتَرِقُ ويَمُوتُ‏.‏

باب

‏{‏وَإِنَّ إِليَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَلِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءابَآئِكُمُ الاْوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاْخِرِينَ‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 123- 129‏)‏، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ يُذْكَرُ بِخَيرٍ‏.‏ ‏{‏وَتَرَكْنَا عَلَيهِ فِي الآخِرِينسَلاَمٌ عَلَى آلِ ياسِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 130- 132‏)‏‏.‏

يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّ إِليَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ‏.‏

باب‏:‏ ذِكْرِ إِدْرِيسَ عَلَيهِ السَّلاَمُ وهُوَ جَدُّ أَبي نُوح، ويُقالُ جَدُّ نُوحٍ عليهما السَّلام

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 75‏)‏‏.‏

قَالَ أَنَسٌ‏:‏ فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّماوَاتِ إِدْرِيسَ وَمُوسى وَعِيسى وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُثْبِتْ لِي كَيفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيرَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَقَالَ أَنَسٌ‏:‏ «فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِإِدْرِيسَ قَالَ‏:‏ مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلتُ‏:‏ مَنْ هذا‏؟‏ قَالَ‏:‏ هذا إِدْرِيسُ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسى، فَقَالَ‏:‏ مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، قُلتُ‏:‏ مَنْ هذا‏؟‏ قَالَ‏:‏ هذا مُوسى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسى، فَقَالَ‏:‏ مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، قُلتُ‏:‏ مَنْ هذا‏؟‏ قَالَ‏:‏ عِيسى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ‏:‏ مَرْحَباً بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالاِبْنِ الصَّالِحِ، قُلتُ‏:‏ مَنْ هذا‏؟‏ قَالَ هذا إِبْرَاهِيمُ»‏.‏

قَالَ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَيَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولاَنِ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «ثُمَّ عُرِجَ بِي، حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ»‏.‏

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذلِكَ، حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسى، فَقَالَ مُوسى‏:‏ مَا الَّذِي فَرَضَ عَلَى أُمَّتِكَ‏؟‏ قُلتُ‏:‏ فَرَضَ عَلَيهِمْ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ‏:‏ فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذلِكَ، فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسى، فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ‏:‏ فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ‏:‏ رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذلِكَ، فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي، فَقَالَ‏:‏ هِيَ خَمْسٌ وَهيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسى، فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلتُ‏:‏ قَدِ اسْتَحْيَيتُ مِنْ رَبِّي، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى السِّدْرَةَ المُنْتَهى، فَغَشِيَهَا أَلوانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ، ثُمَّ أُدْخِلتُ، فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ»‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عبَّاس‏:‏ يُذْكَرُ بِخَيْرٍ‏)‏‏:‏ نيك نام تفسيرٌ لقوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الآخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَى إلْ ياسين‏}‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 129، 130‏)‏ إلخ، ويُذْكَرُ عن ابن مسعود، وابن عباس‏:‏ إن إلياسَ هو إدريسُ‏.‏

واعلم أن ههنا مقامين‏:‏ الأوَّلُ‏:‏ في الترتيب بين إدريس، ونوح عليهما السلام‏.‏ فقيل‏:‏ إن إدريسَ عليه الصلاة والسلام نبيٌّ متأخِّرٌ عن نوحٍ عليه الصلاة والسلام، وحينئذٍ لا يَجِبُ كونه من أجداد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وقيل‏:‏ إنه متقدِّمٌ عليه‏.‏ ولمَّا كان نوحُ عليه الصلاة والسلام من أجداد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم كان إدريسُ عليه الصلاة والسلام المتقدِّم عنه من أجداده صلى الله عليه وسلّم بالأَوْلَى‏.‏ والمصنِّفُ أخَّر ذكرَه عن نوحٍ عليه الصلاة والسلام بناءً على كونه بعده، وحينئذٍ لا يَلْزَمُ أن يكونَ من أجداده صلى الله عليه وسلّم ولكن يُشْكِلُ عليه ما في نسخة الباريِّ لابن عساكر‏.‏ «وهو جدُّ أبي نوحٍ، أو جدّ نوحٍ»، فإنها تَدُلُّ على كون إدلايسَ عليه الصلاة والسلام متقدِّماً على نوحٍ عليه الصلاة والسلام، لكونه من أجداده‏.‏ ووضْعُهُ في التراجم بعد نوحٍ عليه الصلاة والسلام، يَدُلُّ على كونه متأخِّراً عنه، فلا يكونُ من أجداده‏.‏

قلتُ‏:‏ لو ثَبَتَتْ نسخة ابن عساكر من جهة المصنِّف‏.‏ وَجَبَ أن تكونَ تجرمةُ إدريس عليه السلام متقدِّمةً على نوح عليه الصلاة والسلام، لكونه من أجداده على هذه النسخة‏.‏ إلاَّ أن يُقَالَ‏:‏ إن المصنِّفَ اتَّبَعَ ف يترتيب التراجم القول المشهور عند الناس من تقدُّم نوحٍ عليه الصلاة والسلام، ثم ذكر رجحانه إلى تقدُّم إدريس عليه الصلاة والسلام، وأشار إليه بقوله‏:‏ «وهو جَدُّ نوحٍ عليه الصلاة والسلام»‏.‏ وهكذا فَعَلَ في «المغازي» أيضاً‏.‏

والمقام الثاني‏:‏ أن إدريسَ، وإلياسَ عليهما الصلاة والسلام، هل هما نبيَّان، أو اسمان لنبيَ واحدٍ، كما يَدُلُّ عليه قول ابن مسعود، وابن عبَّاس‏؟‏ والجمهور على أنهما نبيَّان، فإن إدريسَ عليه الصلاة والسلام نبيٌّ قبل نوحٍ عليه الصلاة والسلام، وبعد شيث عليه الصلاة والسلام‏.‏ وأمَّا إلياسُ عليه الصلاة والسلام، فهو نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل، بعد موسى عليه الصلاة والسلام، وحينئذٍ وَجَبَ تأويل قول ابن مسعود، وابن عباس‏:‏ إن إلياسَ هو إدريسُ عليهما الصلاة والسلام‏.‏ فقيل‏:‏ إن ابن عباس فسَّر قراءةً أخرى فيه، وهي ‏{‏سلام على إدراسين‏}‏ وكان قوله‏:‏ هكذا إن إدراس هو إدريس، فسُومِحَ فيه‏.‏ وقيل‏:‏ إن إلياسَ هو إدريسُ، مكان إدراس‏.‏

وقيل‏:‏ إن لهذين اسمان متبادلان، يُطْلَقُ أحدهما على الآخر، فيقال لإِدريسَ‏:‏ إلياس أيضاً عليهما الصلاة والسلام، وبالعكس، على أن اسمَ أحدهما لقبٌ للآخر، فإِدريسُ عَلَمٌ له، ولقبُه إلياسُ عليهما الصلاة والسلام، وكذا العكس، فهما مشهوران بِعَلَمَيْهِمَا، وأَطْلَقَ ابن عباس باعتبار اللقب‏.‏

وقال الشيخُ الأكبرُ‏:‏ إن إدريس وإلياس نبيٌّ واحدٌ عليه الصلاة والسلام‏.‏ وقال في «الفصوص»‏:‏ إن إدريسَ عليه الصلاة والسلام كان نبيّاً حين رُفِعَ، ثُمَّ إذا نَزَلَ، وقد جَعَلَه اللَّهُ رسولاً، سُمِّي بإِلياسين، فهو نبيٌّ واحدٌ في النشأتين، كعيسى عليه الصلاة والسلام، وهذا يَدُلُّ على أنه ذَهَبَ إلى وَحْدَتِهِمَا‏.‏ وناقضه في مواضعَ عديدةٍ، حين ذَكَرَ الذين اشتهرت حياتُهم، وذكرهم أربعة، إدريس، وإلياس، وعيسى، والخَضِر عليهم الصلاة والسلام، فَدَلَّ على تغايُرِهِمَا عنده‏.‏ وتأوَّله بحر العلوم أنهما اثنان، باعتبار العُهْدَةِ، لكونه نبيّاً قبل الرفع، ورسولاً بعد النزول، وأمَّا باعتبار الشخص، فواحدٌ‏.‏

ثم إن الشيخَ الأكبرَ تمسَّك بقوله‏:‏ «مرحباً بالنبيِّ الصالح، والأخ الصالح»، في ليلة المعراج، على عدم كونه من أجداد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وإلاَّ لَقَالَ‏:‏ بالابن الصالح‏.‏

قلتُ‏:‏ وهو غيرُ تامَ، فإنه لم يُخَاطِبْهُ بالابنيَّة أحدٌ منهم غير آدم، وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، تنبيهاً وتعظيماً لأمره، أمَّا آدمُ عليه الصلاة والسلام، فقد كان أبا البشر، فما له إلاَّ أن يَدْعُوَه بالابن‏.‏ وأمَّا إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام، فإنه أراد إشاعةَ هذه النسبة من قبله، وفي الحديث‏:‏ «إني دعوة أبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وأمَّا غيرُهُما، فاكتفوا في المخاطبة بالأخوَّة العامة، «فإن الأنبياءَ عليهم السلام إِخْوَة لِعَلاَّتٍ‏(‏2‏)‏‏(‏3‏)‏، إلى آخر الحديث، وكلُّهم بنو آدم، فصَحَّت الأخوَّة بلا ريب‏.‏

والذي تبيَّن لي أنهما نبيَّان قطعاً، ومن ظَنَّ أنهما واحدٌ، فقد نَظَرَ إلى شهرة رفع إدريس عليه الصلاة والسلام في أهل الإِسلام، وشهرة رفع إلياس عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل، فركَّب من مجموع ذلك الاتحاد، وإلاَّ فهما نبيَّان‏.‏

ثم إنهم اختلفوا في معنى قوله‏:‏ ‏{‏إِلْ يَاسِينَ‏}‏، و‏{‏إدراسين‏}‏‏.‏ فقيل‏:‏ معناه‏:‏ أتباعُ إلياس، وإدريس عليهما الصلاة والسلام، فلياء، والنون للجمع، وللنسبة إلى مفرده، كما في «خُبَبِيُّون» نسبةً إلى قبيلة خُبَيْب خبيب والى يعنى اسكى نسل سى‏.‏ وقيل‏:‏ إنه لغةً في إلياس‏.‏ ومرَّ عليه الحافظ، وقال‏:‏ بل هو كجبرين، لغةً في جبرائيل، فالنون زائدة‏.‏ وذكر مفسِّرٌ‏:‏ أن إلياسين، معناه‏:‏ أتباع إلياس عليه الصلاة والسلام، كما مرَّ‏.‏

قلتُ‏:‏ ويوافقه اللغة أيضاً، فعند البخاريِّ‏:‏ «عليك إثم الأَرِيسيِين»، على وجهٍ، وفسَّر معناه‏:‏ متبعي الأروس، كان رجلاً اخْتَرَعَ مذهباً، فسمَّى أتباعه‏:‏ أَرِيسيِين، وكان هرقل منهم‏.‏ ولم يَشْعُرْ به الحافظُ، فقال بزيادة النون‏.‏ والظاهرُ أن إلياسين، وإدراسين، نظيرُ أَرِيسيِين‏.‏

قلتُ‏:‏ ويوافقه اللغة أيضاً، فعند البخاريِّ‏:‏ «عليك إثم الأَرِيسيِين»، على وجهٍ، وفسَّر معناه‏:‏ متبعي الأروس، كان رجلاً اخْتَرَعَ مذهباً، فسمَّى أتباعه‏:‏ أَرِيسيِين، وكان هرقل منهم‏.‏ ولم يَشْعُرْ به الحافظُ، فقال بزيادة النون‏.‏ والظاهرُ أن إلياسين، وإدراسين، نظيرُ أَرِيسيِين‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 65‏)‏

وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالاْحْقَافِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ ‏(‏الأحقاف‏:‏ 21- 25‏)‏‏.‏ فِيهِ‏:‏ عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

وقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ‏}‏ شَدِيدَةٍ ‏{‏عَاتِيَةٍ‏}‏، قَالَ ابْنُ عُيَينَةَ‏:‏ عَتَتْ عَلَى الخُزَّانِ ‏{‏سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً‏}‏ مُتَتَابِعَةً ‏{‏فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ‏}‏ أُصُولُهَا ‏{‏فَهَلْ تَرَى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ‏}‏ بَقِيَّةٍ ‏(‏الحاقة‏:‏ 6- 8‏)‏‏.‏

واعلم أن هُودَ عليه الصلاة والسلام لم يُبْعَثْ في وسط العرب، ولكنه بُعِثَ لمن كانوا في ناحية البحر من حَضْرَمَوت إلى الشام‏.‏

باب‏:‏ قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوج

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُواْ يذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِى الاْرْضِ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 94‏)‏‏.‏ وقَوْلِ

قالَ قَتَادَةُ‏:‏ حَدَبٌ أَكَمَةٌ، قالَ رَجُلٌ لِلنبي صلى الله عليه وسلّم رَأَيتُ السَّدَّ مِثْلَ البُرْدِ المُحَبَّرِ، قالَ‏:‏ «رَأَيتَهُ‏؟‏»‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ‏}‏‏)‏ وفيه عِدَّةُ فوائد‏:‏

ولا ريب في كونه رجلاً صالحاً‏.‏ أمَّا إنه كان نبياً، أو وليّاً، فالله تعالى أعلم به‏.‏ والذي يَظْهَرُ أنه ليس بالاسكندر اليونانيِّ، وإليه ذهب الرازي، والحافظ‏.‏ فإن أرسطو كان من وزرائه، وكان يَسْجُدُ له‏.‏ وهو أوَّلُ من دوَّن الجغرافية، وذكر فيه السدَّ، فَدَلَّ على أنه كان مبنيّاً قبل الاسكندر اليونانيِّ، اللهم إلاَّ أن يُقَالَ‏:‏ إنه أراد به السدَّ الذي بناه ملكه، والظاهرُ هو الأوَّلُ‏.‏ على أن اليونانيَّ لم يَخْرُج إلى مطلع الشمس والمغرب، ولكنه كان بسَمَرْقَنْد‏.‏ وقاتل دار فقتله، ثُمَّ فتح الاسكندرية، ثم أتى أرضَ بابل، ورجع من ههنا إلى كابل، ثم إلى راولبندى حتى ألقى عصاه بموضع تيكسله، وضرب فيها سِكَّةً، ثم سافر إلى السند، ومات ثَمَّةَ‏.‏ فليس اليونانيُّ هو ذو القرنين الذي ذكره القرآن‏.‏ وراجع صورة العالم من آخر «التفسير» للشيخ عبد الحق الدَّهْلَوِي، فإنه مهمٌّ، ويَنْفَعُكَ في هذا الباب‏.‏ واسْتَنْبَطْتُ من سفره إلى مطلع الشمس ومغربها، أنه لم يكن من سكانهما‏.‏

أمَّا الكلامُ في السدِّ، فاعلم أنه عديدٌ، والذي بناه ذو القرنين، هو في الجانب الشماليِّ عند جبل قوقيا‏.‏ أما الذي هو في بلدة الصين في طول ألف ومئتي ميلٍ تقريباً، فهو سدٌّ آخر‏.‏ ومن ظنَّه السدَّ المعروفَ، فبعيدٌ عن الصواب‏.‏ وسدٌّ آخر باليمين بناه شدَّاد، وظنَّ البيضاويُّ- وهو مؤرِّخٌ فارسٌ- أنه عند دربند ثم رَوَى الحافظُ عن صحابيَ‏:‏ «أنه لمَّا رَجَعَ بعد رؤيته السدَّ، سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال‏:‏ رأيته كالبُرْدِ المُحَبَّرِ»‏.‏ وحمله الحافظُ على سدِّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ‏.‏

قلتُ‏:‏ هذا غلطٌ، بل هو سدٌّ آخر كان باليمين، وسدُّ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ في موضعٍ وراء بُخَارَى‏.‏ ثم إن سدَّ ذي القرنين قد اندكَّ اليوم، وليس في القرآن وعدٌ ببقائه إلى يوم خروج يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ولا خبرٌ بكونه مانعاً من خروجهم، ولكنه من تَبَادُرِ الأوهام فقط‏.‏ فإنه قال‏:‏ ‏{‏وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 99‏)‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 96‏)‏ فلهم خروجٌ مرَّةً بعد مرةٍ‏.‏ وقد خَرَجُوا قبل ذلك أيضاً، وأَفْسَدُوا في الأرض بما يُسْتَعَاذُ منه‏.‏ نعم يكون لهم الخروجُ الموعودُ في آخر الزمان، وذلك أشدُّها‏.‏ وليس في القرآن أن هذا الخروجَ يكون عَقِيبَ الاندكاك متَّصلاً، بل فيه وعدٌ باندكاكه فقط، فقد اندكَّ كما وَعَدَ‏.‏

أما إن خروجَهم موعودٌ بعد اندكاكه بدون فصلٍ، فلا حرفَ فيه‏.‏ أَلاَ ترى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم عدَّ من أشراط الساعة‏:‏ قبضَه من وجه الأرض، وفتحَ بيت المقدس، وفتحَ القسطنطينية، فهل تراها متَّصلةً، أو بينها فاصلةٌ متفاصلةٌ، فكذلك في النصِّ‏.‏ نعم فيه‏:‏ أن خروجَهم لا يكون إلاَّ بعد الاندكاك، أمَّا إنه لا يندلُّ إلاَّ عند الخروج، فليس فيه ذلك‏.‏

أمَّا الكلامُ، في يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، فاعلم أنهم، من ذُرِّيَّة يافث باتفاق المؤرِّخين‏.‏ ويُقَال لهم في لسان أروبا‏:‏ كاك ميكاك، وفي مقدمة ابن خَلْدُون‏:‏ «غوغ ماغوغ»‏.‏ وللبرطانية إقرارٌ بأنهم من ذُرِّيَّة مَأْجُوجَ، وكذا ألمانيا أيضاً منهم، وأمَّا الروس فهم من ذُرِّيَّةِ يَأْجُوجَ‏.‏ وليس هؤلاء إلاَّ أقواماً من الإِنس، والمراد من الخروج‏:‏ حملتُهم، وفسادُهم، وذلك كائنٌ لا محالة في زمانه الموعود، وكلُّ شيءٍ عند ربِّك إلى أجلٍ مسمَّى‏.‏ وليس السدِّ مَنَعَهُمْ عن الفساد، فهم يَخْرُجُون على سائر الناس في وقتٍ، ثم يُهْلَكُونَ بدعاء عيسى عليه السلام‏.‏ هكذا في «مكاشفات يوحنا» وفيه‏:‏ أنهم يُهْلَكُونَ بدعاء المسيح عليه الصلاة والسلام عليهم‏.‏

وإنما ذكرنا نبذةً من هذه الأمور، لِتَعْلَمَ أنها ليست بشيءٍ يُفْتَخَرُ بها عند العوام، ولكنها كلَّها معروفةٌ عند أصحاب التاريخ‏.‏ أمَّا من لم يُطَالِعْ كُتُبَهُمْ فالإِثمُ عليه‏.‏ وهذا الجاهل- لعين القاديان- يَزْعُمُ أنه أتى بعلمٍ جديدٍ، كأنَّه أوجده من عند نفسه، وكان النَّاسُ غَافِلُونَ عنه قبل ذلك‏.‏ وقد بَسَطْنَاها في رسالتنا «قيدة الإِسلام»، وحاشيته بما لا مَزِيدَ عليه، فراجعها‏.‏

وبعدُ، فإن العِلْمَ بيد الله المتعال، وأمَّا من زَعَمَ أنه قد أَحَاطَ بوجه الأرض كلِّها عِلْماً، ولم يَتْرُكْ موضعاً إلاَّ وقد شَاهَدَ حاله، فذلك جاهلٌ‏.‏ فإنهم قد أقرُّوا بأن كثيراً من حصص الأرض باقيةٌ لم تقطعها بعدُ أعناق المطايا، منها ساحةٌ طويلةٌ في أرض الروس الشهيرة بسيبيريا وغيرها، فما هذه الزقازق‏؟‏‏.‏

وإذ قد فَرَغْنَا عن نقل القطعات التاريخية على القدر الذي أردناها، فالآن نتوجَّه إلى بعض ألفاظ الحديث‏.‏

فاعلم أنا لم نَجِدْ في القرآن، ولا في حديثٍ صحيحٍ أن السدَّ مانعٌ عن خروجهم، إلاَّ ما عند الترمذيِّ، فإنه يُشْعِرُ بظاهره أنه مانعٌ عنه، لِمَا فيه‏:‏ «أنهم يَحْفِرُونه كل يومٍ، حتَّى إذا بَقِيَ منه شيءٌ يَرْجِعُونَ إلى بيوتهم يقولون‏:‏ نَعُود إليه غداً، ونَحْفِرُ الباقي، ولا يقولون‏:‏ إن شاء الله تعالى‏.‏ فإذا عَادُوا إليه، وَجَدُوه كما كان قبله، فَلاَ يَزَالُ أمره وأمرهم هكذا، حتَّى إذا جاء الموعدُ يَرْجِعُونَ إلى بيوتهم يقولوه‏:‏ إنا نَحْفِرُه غداً إن شاء الله تعالى، فإذا رَجَعُوا إليه غداً، وَجَدُوه كما تَرَكُوه، لم يَزِدْ عليه شيئاً، وحينئذٍ يَدُكُّونه، ثم يَخْرُجُون مفسدين في الأرض»- بالمعنى ‏.‏ ولكنه مخالقٌ لِمَا في الصحيح، لأنه يَدُلُّ على أن السدَّ في زمنه صلى الله عليه وسلّم «كان فُتِحَ مثلَ هذه، وحلَّق بإِصْبَعَيْهِ‏:‏ الإِبهام، والتي تليها»‏.‏ وقد ذَكَرْنَا تمامه في «عقيدة الإِسلام»، مع أن ابن كثير علَّله، وقال‏:‏ إن أبا هريرة قد يَرْفَعُهُ، وقد يُوقِفُهُ على كَعْبٍ، وبه يَحْكُمُ وجداني‏:‏ أنه ليس بمرفوعٍ، بل هو من كعب نفسه‏.‏

قال الشيخُ في كتابه «عقيدة الإِسلام»، في حياة عيسى عليه السلام‏:‏ قد تَوَاتَرَ في الأحاديث أنه عليه السلام يَنْزِلُ بعد خروج الدَّجَّال، فَيَقْتُلُه، ويُرِيهم دمَه على حَرْبَتِهِ، ثم يَخْرُجُ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ، فَيُهْلِكُهُم الله بدعائه‏.‏ وقد حرَّف المُلْحِدُون تلك الأحاديث أيضاً‏.‏ وكُنْتُ قد أفردت في مبحث يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مقالةً حديثيَّةً تاريخيَّةً، لا يسعها المقام، وهذه نبذةٌ منها أوردتها‏.‏

فالذي ينبغي أن يُعْلَمَ، ويكفي ههنا‏:‏ أن الظاهرَ من أمر ذي القرنين أنه رجلٌ ليس من أهل المشرق، كما قيل‏:‏ إنه مغفور الصين، الذي بنى سدّاً هناك، في طول ألف مئتي ميلٍ، ويَمُرُّ على الجبال والبحار‏.‏ لأنه لو كان كذلك، لقيل في القرآن العزيز بعد سفره إلى المغرب‏:‏ إنه رَجَعَ إلى المشرق، كالراجع إلى وطنه‏.‏ ولا من أهل المغرب، وإنما هو من أهل ما بينهما‏.‏ والراجحُ أنه ليس من أذواء اليمن، ولا كيقباد من ملوك العجم، ولا هو اسكندر من فيلقوس، بل ملكٌ من الصالحين، ينتهي نَسَبُهُ إلى العرب الساميِّين الأوَّلين‏.‏ ذكره صاحب «الناسخ» وأرَّخ لبنائه السد‏:‏ سنة 3460 من الهبوط‏.‏

وذَكَرَهُ قبل العرب الساميِّين الذين مَلَكُوا مصر، كشَدَّاد بن عاد بن عود بن أرم بن سام، وابن أخيه سنان بن علوان بن عاد، وبعدهما الريان بن الوليد بنع مرو بن عمليق بن عولج بن عاد‏.‏ قال‏:‏ ومن أَطْلَقَ على هؤلاء الفراعنة بعد الريان العمالقة، فللنسبة إلى عمليق بن عولج، لا إلى عمليق بن لاوذ بن أرم بن سام الذين كانوا سَكَنُوا بمكة‏.‏ وكذا هو- أي ذو القَرْنَيْن- قبل ضحاك بن علوان، أخي سنان المذكور الذي قَتَلَ جمشاد ملك الإِيران، وملكه‏.‏

وذكر اسم ذي القرنين‏:‏ صعب بن روم بن يونان بن تارخ بن سام، فهو إذن من عادٍ الأُولَى، لا من الروم، أو اليونان، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 69‏)‏‏.‏ وذكر أيضاً أن كورش ليس هو كيقباد، بل هو من الطبقة الثانية من ملوك بابل‏.‏ والأشبه في وجه تسميته ما عن عليّ، وقد قوَّاه في «الفتح» وشرحه في «شرح القاموس»، وذكر في التنزيل ثلاثة أسفار له‏:‏ الأوَّل إلى المغرب، ثم إلى المشرق، ولم يَذْكُرْ جهةَ الثالث، ولا قرينةَ له على أنَّه إلى الجنوب، فهو إذن إلى الشمال، وسدُّه هناك في جبل قوقايا، الذي يسمى الآن الطائي، غير مجموعة الجبال الأورالية، وهو المرادُ بآخر الجربياء في كتاب حزقيال عليه السلام، كما في «روح المعاني»‏.‏

قلتُ‏:‏ الجِرْبِياء في اللغة‏:‏ الريح التي تَهُبُّ من المشرق والشمال‏.‏ وبنى أيضاً بعضُ ملوك الصين سدّاً لنحو ضرورة ذي القرنين، وهو سدٌّ كان المغول سَمَّوْهُ‏:‏ أتكووة، وسمَّاه الترك‏:‏ بوقورقه، ذكره صاحب «الناسخ»، وأرَّخ لبنائه‏:‏ سنة 4381 من الهبوط‏.‏ وكذا بعض ملوك العجم من باب الأبواب لمثل ما ذَكَرْنَاهُ‏.‏ وهناك سدودٌ أُخَر، وكلُّها في الشمال‏.‏

ثم لو ثَبَتَ ما اشتهر، وشهَّره المؤرِّخون، وذكره في «حياة الحيوان»، عن ابن عبد البَرِّ في «كتاب الأمم من الكركند»‏:‏ أن مَأْجُوجَ من ولد يافث، سَكَنَ هناك، وأن جوج لَحِقَ بهم، وأن ماغوغ- كما ذَكَرَه ابن خَلْدُون- بالعبرية، هو‏:‏ مَأْجُوجُ في العربية، وجوج، هو‏:‏ يَأْجُوجُ‏.‏ مع أنه لم يَذْكُرْ في كتاب حزقيل بلفظ يَأْجُوج، وإنما ذَكَرَ‏:‏ جوج، وسلَّم أنهما معرَّبٌ كاك ميكاك في الإِنكليزية، وأن رخلأسيَا من يَأْجُوج، وأهل بريطانيا من مَأْجُوج‏.‏ ولم يَدُلُّ على أن ذي القرنين سَدَّ على كلِّهم، بل سَدَّ على فِرْقَةٍ منهم هناك‏.‏

قال ابن حَزْم في «الملل والنحل» فيما يَعْتَرِضُ به النصارى على المسلمين قديماً‏:‏ إن أرسطو ذكر السدَّ ويَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ في «كتاب الحيوان»، وكذا بطليموس في «جعرافياه»‏.‏ بل سؤالُ تعيين السدِّ، أو تعيينُ ذي القرنين، وَقَعَ من اليهود أولاً عنه صلى الله عليه وسلّم كذا يُسْتَفَادُ من بعض روايات «الدر المنثور»‏.‏ وبعضُ الناس يَجْعَلُ اللفظين‏:‏ منكوليا ومنجوريا، وبعضُهم كاس ميكاس، وبعضهم‏:‏ جين ما جين، وهو كما تَرَى‏.‏

وأعجبُ منه ما في «الناسخ»، من ذكر بناء بيت المَقْدِسِ‏:‏ أن علماءَ بني إسرائيلَ كانوا يُطْلِقُون على صور وصيدا‏:‏ جين ما جين، ونَقَلَ بَعْضُهم عن «تاريخ كليسيا» فِرْقَةً من فِرَقِ الآريوسة لقبها‏:‏ ياجوجي‏.‏ والمُفْسِدُون في الأرض لا يَصْدُقُ على كلِّهم، فإنه إهلاكُ النَّسْلِ والحَرْثِ، وتَخْرِيبُ البلاد، والنهبُ، والسفكُ، وشنُ الغارة، لا أخذ الممالك بالسياسة والتدبير، وهؤلاء مَوْصُوفُون بذلك لا الأول‏.‏ وإذا انقطع هذا اللقبُ عنهم الآن، لم تَبْقَ المعرفة إلاَّ بوصف الإِفساد‏.‏ فإن كان شعبُهم ينتهي إليهم، فلينته‏.‏ ولعلَّه في بعض الآثار أَدْخَلَ نحو إنسان الغاب، أو الجبَّارين في يأجوج ومأجوج فراجع إنسان الغاب، والجبَّار من الدائرة‏.‏

وفي «البحر»‏:‏ أنه قد اخْتُلِفَ في عددهم وصفاتهم، ولم يَصِحَّ في ذلك شيءٌ‏.‏ اه‏.‏

قلتُ‏:‏ قد صَحَّ في كثرة عددهم أحاديث، وكذا نُقِلَ عن «كتاب الجمان في تاريخ الزمان» للعينيِّ، عن «تاريخ ابن كثير»‏:‏ أنه لم يَصِحَّ في صفتهم كثيرُ شيءٍ‏.‏ وإذا كان هؤلاء الأورباويون خارجين من بلادهم، وأخلاقهم، وسيرتهم، فليسوا بمرادين‏.‏ وإنما المراد فِرْقَةٌ منهم، أي من شعبهم في الشمال، والشرق ولهم خروجٌ في آخر الأيَّام، وليس أنهم مَسْدُودُون بالسدِّ، من كل جهةٍ، بل مُنِعُوا من شعبٍ هناك‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنهم أيضاً قد ارتفع عنهم المانع الحسيُّ منذ زمانٍ طويلٍ، واندكَّ السَّدُّ، وقد خَرَجُوا، قيل‏:‏ فإذن لم يَكُنْ هذا الخروجُ مراداً، فإنه لم يتحقَّق نزول عيسى عليه السلام قُبَيْل ذلك‏.‏ ويستمرُّ الأَمْرُ هكذا حتَّى يَخْرُجَ بعضٌ منهم، الذين لم يَخْرُجُوا إلى الآن في عهد عيسى عليه السلام‏.‏ ويكون الخروج مرَّةً بعد مرَّةٍ، كمثل خروج الخوارج، لا خروجاً بالمرَّة من السدِّ، ولم يَذْكُرْ في القرآن لفظ الخروج من هذا السدِّ فقط‏:‏ لههنا، ولما ذَكَرَ في الأنبياء‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ‏}‏ ‏(‏الآية‏:‏ 96‏)‏، يوميءُ أن بعضَهم في مقابلة بعضهم الآخرين‏.‏ فالبعضُ خارجون من السدِّ، والبعضُ الآخرون من غيره، وكأن اندكاك السدِّ جَعَلَ موضعَ خروج بعضٍ، وميقاتَ خروج آخرين منهم‏.‏ وقَدْ وَقَعَ في مكاشفات يوحنا الإِنجيليِّ خروجهم مرَّةً بعد مرَّةٍ، أي من سُدَّ عليهم، أو لم يُسَدّ‏.‏

وكذا ذكره في «الناسخ»، عن الفصل الحادي عشر، من سفر سنهذرين، من كمار اليهود، وهو عندهم كالحديثِ عندنا‏.‏ قال فيه‏:‏ وُجِدَ في خزائن الروم بالخط العِبْرِيِّ‏:‏ أن بعد أربعة آلاف سنة ومئتين وإحدى وتسعين سنة يبقى العالمُ يتيماً، وتَجْرِي فيه حروب كوك ما كوك، وتكون سائر الأيام أيام الماشيح‏.‏ وهذا التاريخُ- على ما يؤرِّخ به اليهود- مولدُ خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلّم ويَبْقَى العالمُ بعده يتيماً، لا راعي له، أي تُخْتَتَمُ النبوَّة، وتجري بعد ذلك- وبعد خيرٍ كثيرٍ- ملاحم يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ويَنْزِلُ إذ ذاك عيسى عليه السلام‏.‏

وصاحب «الناسخ» حمل الماشيح على خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلّم وكذا ذكرهم في كتاب حزقيل، ولم يَذْكُرْ السدَّ‏.‏ فيأجوجُ ومأجوجُ أعمُّ ممن سُدَّ عليهم‏.‏ فقد جَمَعَ القرآنُ حالَ أعمِّهم وأخصِّهم، وذلك لسؤالهم عن ذي القرنين، لا عن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ فقط‏.‏ فَذَكَرَ أوَّلاً من سُدَّ عليهم منهم، ثم عمَّم في قوله‏:‏ ‏{‏وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 99‏)‏، وهو إذن للاستمرار التجدديِّ، حتَّى يَتَّصِلَ خروجهم المخصوص بنزول عيسى عليه السلام، فَوَقَعَ هنا في القرآن أعمُّ مما في الحديث‏.‏ وكذا في قوله‏:‏ ‏{‏وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ‏}‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 96‏)‏ فَذَكَرَ كلَّ حَدَبٍ، ولا بُدَّ من ذلك إن ثَبَتَ أن الأورباويين منهم، وأن لهم خزجات‏.‏ أو ذَكَرَ في القرآٌّ من سُدَّ عليهم فقط، لكن لم يَذْكُرْ أنه لا يَنْدَكُّ، ويكون خروجهم مرَّةً بعد مرَّةٍ، حتى يكونَ خروجُهم المرادُ عند نزوله عليه السلام‏.‏

وقد بُدِيء باندكاكه في زمانه صلى الله عليه وسلّم حيث قال‏:‏ «ويلٌ للعرب، من شرَ قد اقترب، فُتِحَ اليومَ من رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مثل هذه» وهؤلاء الذين خَرَجُوا كذلك، أي من غير سدَ لا يُقَالُ‏:‏ إنهم خَرَجُوا عليه، لأنَّهم نصارى نحلةً وانتماءً، وبقي بعضُ هؤلاء، أصلاً وشعباً ليسوا نصارى، سَيَخْرُجُون عليه في آخر الزمان‏.‏ وذَكَرَ في كتاب حزقيل خروجَهم على بني إسرائيل‏.‏ ففي «روح المعاني»‏:‏ وفي كتاب حزقيال عليه السلام الأخبارُ بمجيئهم في آخر الزمان من آخر الجِرْبِياء، في أممٍ كثيرةٍ لا يُحْصِيهم إلاَّ اللَّهُ تعالى، وإفسادُهم في الأرض، وقصدُهم بيت المَقْدِسِ، وهلاكُهم عن آخرهم بِرُمَّتِهِمْ بأنواعٍ من العذاب‏.‏ اه‏.‏

وذُكِرَ في الأحاديث النبوية توجُّهُهُم إلى الشام، فليس الخروج عليه متَّصلاً بالاندكاك، وإنما المتَّصلُ به خروجُهم على الناس، وهو كذلك في بعض الألفاظ، كما في «الكنز»‏.‏ وقد تأتي أحاديثُ أشراط الساعة بالتقاط أشراطها من البين، وترك ما بينها، فلهم خروجٌ مرَّةً بعد مرَّةٍ‏.‏ وليس القرآنُ العزيزُ نصّاً في أن السدِّ مَنَعَهُم من كلِّ جهةٍ، ولا أن عدمَ خروجهم في الأزمنة الآتية لعدم الاندكاك فقط، فإن ذلك إذ ذاك- أي عند بنائه- ودَهْراً بعده‏.‏ وأمَّا بعد ذلك، فلهم عِدَّةُ خروجٍ، ففيه ‏{‏حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ‏}‏ الآية، فلم يَقُلْ‏:‏ حتَّى إذا فُتِحَ الرَدْمُ، والمراد تلك النَّوْبَة من الخروج‏.‏

وبنبغي أن يُعْلَمَ أن قولَ ذي القرنين ‏{‏قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مّن رَّبّى فَإِذَا جَآء وَعْدُ رَبّى جَعَلَهُ دَكَّآء ؛ وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 98‏)‏ قولٌ من جانبه، لا قرينةٌ على جَعْلِهِ من أشراط الساعة‏.‏ ولعلَّه لا عِلْمَ له بذلك، وإنما أَرَادَ وعدَ اندكاكه‏.‏ فإذن قوله تعالى بعد ذلك‏:‏ ‏{‏وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ‏}‏ للاستمرار التجدديِّ‏.‏ نعم قوله‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ‏}‏ هو من أشراطِ الساعة، لكن ليس فيه للرَّدْمِ ذِكْرٌ، فاعلم الفرق‏.‏

واعلم أيضاً أن السَّدَّ الذي رآه صحابيٌّ، كما في «الفتح»، و«والدر المنثور»، و«حياة الحيوان» الظاهرُ أنه سَدٌّ آخر لا هذا السدّ، ويَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ فيه بمعنى أهل الشرك‏.‏ وحديث حَفْرِ السدِّ كلَّ يومٍ، أعلَّ ابن كثير في «تفسيره» رَفْعَهُ، بأنه لعلَّه سَمِعَه من كَعْب‏.‏ فإن كَعْباً رَوَى عنه مثل ذلك، وقد ذكره أيضاً ابن كثير‏.‏ وفي «الفتح»‏:‏ أن عبد بن حميد رواه عن أبي هريرة موقوفاً‏.‏ أَوْ كانوا حَفَرُوا أولاً، وتَرَكُوا، وسَيَحْفِرُونَه عند خروجهم المخصوصِ أيضاً، وإن كانوا خَرَجُوا قبل ذلك خروجاً غير خروجهم على عيسى عليه السلام، فإن الله تعالى قد قال‏:‏ ‏{‏وَمَا اسْتَطَعُواْ لَهُ نَقْبًا‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 97‏)‏ ذكره ابن كثير أيضاً‏.‏

وأقول‏:‏ إن كان في إيمان الناظرين سَعَةٌ، فلا ضَيْقَ في تسليمه أيضاً‏.‏ والحاصلُ‏:‏ أنه إن كان قد اندكَّ، أو كان لم يَنْدَكَّ، ولكن كان لم يَبْقَ مانعاً بحسب هذا الزمان بأن يكون خروجهم من طُرُقٍ بعيدة من وراء الجبال، والسدُّ على البوابير والمراكب المُحْدَثة للأسفار الطويلة‏.‏ فخروجُهم المخصوصُ ليس متَّصلاً به‏.‏ كيف وهو مُنْدَكٌّ إذن منذ زمانٍ طويلٍ، فَلَمْ يَبْقَ من السَّدِّ الذي جَعَلَهُ الناظرون سدَّ ذي القرنين، إلاَّ أثرٌ وطَلَلٌ، ولم يتَّصلْ خروجُهم ذلك به، فليكن من الزمان بُرْهَةٌ أخرى كذلك، لا أنهم خَرَجُوا في زماننا هذا، فَيُطْلَبُ عيسى عليه السلام فيه‏.‏ فإنه إذا تَرَاخَى من اندكاكه، أو من خروجهم من زمنٍ طويلٍ، فَلْيُتَرَاخَى عهداً آخر أيضاً، وإن لم يندكَّ مقدار ما بين الصَّدَفَيْن‏.‏ وليس له زيادةُ طولٍ حتَّى يُسْتَبْعَدَ خفاؤُه‏.‏ كما في «روح المعاني» في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 93‏)‏، في قراءة فتح السين، وضمها السُّد بالضم‏:‏ الاسم، وبالفتح‏:‏ المصدر‏.‏ وقال ابن أبي إسحاق‏:‏ الأوَّلُ ما رأته عَيْنَاك، والثاني ما لا تَرَيَاهُ‏.‏ اه‏.‏

وذكره كذلك في «البحر»، فالأمرُ إذن على الانتظار، ويَدُورُ على الإِيمان، فَلْيَنْتَظرْ، فإنهم وإن خَرَجُوا مثلاً من طريقٍ آخر، لكنَّهم لم يَخْرُجُوا على هذا التقدير من السدِّ‏.‏ وإذن كان السدُّ اندكَّ، أو لم يَنْدَكَّ، لكن قد انْهَدَمَ ما بناه ذلك الملحد أساساً ورأساً على كلِّ حالٍ‏.‏ وكذا لم يُفِدْهُ أكان الأروباويون منهم، أم لم يَكُونُوا، فإنهم لم يَخْرُجُوا من السدِّ، وإن خَرَجُوا على الناس‏.‏ كيف وذلك المُلْحِدُ نفسه من ذُرِّيَّةِ مَأْجُوجَ على تحقيقه، فإنه من المَغُول‏.‏ هذا، مع ما هو مسلَّمٌ عند الجغرافيين‏:‏ أنه لم يَنْكَشِفْ إلى الآن لهم حال بعض الجبال، والقفار، والبحار‏.‏

ثم لمَّا كان الإِنكليزُ من الألمانيين وهم من ذِرِّيَّةِ جومر أخي مَأْجُوج، فَلَيْسُوا من نَسْلِ مَأْجُوج‏.‏ ولا يُفيدُ ما ذُكِرَ في الألمان أنهم خَرَجُوا من كوه قاف، وأورال، فإن جبلَ أورال سلسلةٌ مستطيلةٌ من الشرق إلى الغرب‏.‏ ولم يَكُنْ نَسْلُ مَأْجُوجَ، أو الذين سُدَّ عليهم إلاَّ في شرقه‏.‏

وذُكِرَ في «دائرة المعارف» جوج من جومر، وأنه ملك السكيثيين، فَيَأْجُوجُ إخوان مَأْجُوج، وهو كذلك عند اليهود، كما في «لقطة العجلان»، فاحذر قول الخرَّاصين‏.‏ ومذهبُ السكيثيين‏:‏ ميتهالوجي، أي علم الأصنام، فليسوا بني إسرائيل أيضاً‏.‏ وجوج الذي هو من ذُرِّيَّةِ يعقوب رجلٌ آخر، وجوج الذي عُدَّ مع مَأْجُوجَ في كتاب حزقيل، ليس من ذُرِّيَّة يعقوب، بل هو معاذ لبني إسرائيل‏.‏ فلو سُلِّمَ أن جوج والي روسيا، فليس الذي سُدَّ عليهم إياهم، بل هم بعضٌ من جوج‏.‏ والذي يُعْلَمُ من كتابه‏:‏ أن جوج أقربُ مسكناً، ومَأْجُوجَ أبعدُ‏.‏ ولمَّا كان الأريانة، أصلَ الأروباويين، كيف يكون الأوروباويون من مَأْجُوجَ‏؟‏ وإلاَّ لكان الهنودُ منهم، إلاَّ أن يُقَالَ‏:‏ إنه قد تبدَّلت ألقابهم، فهذا يجري في الأوروباويين أيضاً‏.‏

وقد قال في «الفتح» في حديث‏:‏ «أبشروا، فإن من يَأْجُوجَ ومَأْجُوج ألفاً، ومنكم رجل» قال القرطبيُّ‏:‏ قوله‏:‏ «من يَأْجُوجَ، ومَأْجُوجَ ألفاً»، أي منهم، وممن كان على الشِّرْكِ مثلهم، وقوله‏:‏ «ومنكم رجل»، يعني من أصحابه، ومن كان مثلهم‏.‏

قلتُ‏:‏ وهو عن عِمْران بن حُصَيْن عند الحاكم في «المستدرك»‏:‏ «وأبشروا، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده إنكم مع خَلِيقَتَيْنِ ما كانتا مع شيءٍ إلاَّ كثَّرَتَاه، يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ومَنْ هَلَكَ من بني آدم، وبني إبليس»‏.‏ اه‏.‏ فوقع مفسَّراً، ولم يستمد به في «الفتح»‏.‏ وقد صحَّحه الحاكمُ، وأقرَّه الذهبيّ، فاعلمه‏.‏ وقد أَخْرَجَهُ الترمذيُّ، والنَّسَائيُّ في تفسيره كذلك‏.‏ ونحوه في «الدر المنثور»، عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدنَ شِيباً‏}‏ ‏(‏المزمل‏:‏ 17‏)‏‏.‏

واعلم أن ما ذَكَرْتُهُ ليس تأويلاً في القرآن، بل زيادةَ شيءٍ من التاريخ والتجربة، بدون إخراج لفظه من موضعه‏.‏ فلا يتَّسِعُ الخرق، فإن التاريخَ لمَّا ذَكَرَ أن بعضَ الشعود الخارجة من السَّدِّ من نَسْلِ يَأْجُوجَ أيضاً، قُلْنَا‏:‏ إن ثَبَتَ، فالقرآن لم يَذْكُرْ السدَّ على كلِّهم، ولا من كلِّ جهةٍ، فَلْيَكُنْ الخارجون المذكورون من يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ولكن لَيْسُوا بمرادين في القرآن‏.‏ وإن ثَبَتَ أنه اندكَّ، أو خَرَجُوا من جانبٍ آخرَ، فَلَيَكُنْ مَوْجُ بعضهم في بعضٍ متجدِّداً مستمرّاً، حتَّى يَنْزِلَ عيسى عليه السلام، فَيَخْرُجُون أيضاً من بلادهم من السَّدِّ المُنْدَكِّ، ويُفْسِدُون في الأرض حتَّى يُهْلِكَهُمُ اللَّهُ تعالى بدعائه عليه السلام‏.‏ كيف وقد قَالَ اللَّهُ تعالى في الأنبياء‏:‏ ‏{‏وحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ حَتَّى إذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ وهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ‏}‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 95، 96‏)‏، أي حرامٌ عليهم غير ما نقول، وهو‏:‏ أنهم لا يَرْجِعُون إلى الدنيا ثانياً، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ‏}‏ ‏(‏يس‏:‏ 31‏)‏، ويَدْخُلُ تحت النفي رَجْعَةُ الروافض، وبروزُ ذلك المُلْحِدِ، فإنه جَعَلَهُ أنه هو حقيقةُ ما أَطْلَقَ عليه أنه رجوعٌ للأوَّل‏.‏ وقيل‏:‏ إنه سَيَرجُعُ، كما جاء في عيسى عليه السلام مرفوعاً، وقد مرَّ‏:‏ «أنه رَاجِعٌ إليكم»‏.‏ فإن كان هذا هو حقيقةُ رجوع أحدٍ، كما افتراه أنه هو عُرْفُ الكتب السماوية، فقد حرَّمته الآية‏.‏ فإن الاعتبارَ في ذلك لِمَا يسمِّيه أهلُ العُرْفِ رجوعاً، لا لغيره‏.‏ وكذا مجيءُ مثيلٍ، إن كان مجيئاً مبتدأ، فليس هذا رجوعاً للأوَّل، وإن قيل‏:‏ إن الرجوعَ الأوَّلَ هو هذا، فقد شَمَلَتْهُ الآية‏.‏ ولا يَظْهَرُ ما قيل في الآية‏:‏ إن المرادَ‏:‏ حرامٌ عليهم أنهم لا

يَرْجِعُون إلينا، فإنه لو كان مُرَاداً، لم يَذْكُرْ في السياق الإِهلاكَ أولاً، وإلاَّ لصار إذن ذِكْرُ الحَلِفِ على ذلك، وذِكْرُ حرمة عدم الرجوع إليه كالمستدرك‏.‏

وقد جاء في الحديث‏:‏ «أن عبدَ الله بن حرام لمَّا اسْتَشْهَدَ بأحدٍ، واستدعى الله تعالى أن يُرْجِعَهُ إلى الدنيا ليستشهد ثانياً، أُجِيبَ بما في الآية»، أخرجه الترمذيُّ، وحسَّنه‏.‏ وإذ لا رجوعَ إلى الدنيا، فلا تَنَاسُخَ أيضاً بنقل الأرواح في الأبدان، وإذن لا بُدَّ من القيامة، لِتُجْزَى كلُّ نفسٍ بما عَمِلَتْ‏.‏ ومن أشراطها‏:‏ خَرُوجُ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، فخروجُهم في قُرْبِ القيامة‏.‏ ومن أشراطها‏:‏ نزولُ عيسى عليه السلام قُبَيْل ذلك بصريح تواتر الأحاديث فيه ‏{‏أنهم يَرَوْنَهُ بعيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً‏}‏ ‏(‏المعارج‏:‏ 6- 7‏)‏‏.‏ ومعلومٌ أنه ليس من موضع القرآن استيعاب التاريخ، ولا الوقائع كلَّها‏.‏ فمن اعْتَبَرَ بالتاريخ فَلْيَزِدْهُ من عنده، كأنه خارجٌ منضمٌّ‏.‏ ولا يزيد التاريخ على ذلك، لمن كان له قلب، أو أَلْقى السمعَ، وهو شهيدٌ‏.‏

3348- قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا‏}‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ قيل‏:‏ هو قبل الحشر‏.‏ وقيل‏:‏ في الحشر، وهو مُشْكِلٌ، لأنه ليست هناك حَامِلٌ، ولا مُرْضِعٌ، وقيل‏:‏ إنه عند النَّفْخَةِ الأُولَى، وهي في الحشر عُرْفاً، على أن بين النفخةِ الأولَى والبعثة مدَّة أربعين سنة‏.‏

3348- قوله‏:‏ ‏(‏فإنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً ومِنْ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ ألفاً‏)‏، وهذا العددُ عند الترمذيِّ مع انضمام المشركين معهم، وهو الصوابُ عندي‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرهِيمَ خَلِيلاً‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 125‏)‏

وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ إِبْرهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَنِتًا‏}‏ ‏(‏النحل‏:‏ 120‏)‏‏.‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ إِبْرهِيمَ لاوَّاهٌ حَلِيمٌ‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 114‏)‏‏.‏ وَقالَ أَبُو مَيسَرَةَ‏:‏ الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الحَبَشَةِ‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏يَزِفُّونَ‏}‏ ‏(‏الصافات‏:‏ 94‏)‏ النَّسَلاَنُ في المَشْي

باب

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ‏:‏ لَئِنْ كانَتْ عائِشَةُ سَمِعَتْ هذا مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم ما أُرَى أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّم تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَينِ اللَّذَينِ يَلِيَانِ الحِجْرَ، إِلاَّ أَنَّ البَيتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ‏.‏

وَقالَ إِسْماعِيلُ‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ‏.‏

3349- قوله‏:‏ ‏(‏أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام‏)‏ وفي الروايات‏:‏ أن نبيَّنا صلى الله عليه وسلّم يُكْسَى بعده، ثم سائرَ الخَلْقِ، وذلك لأنه أوَّلُ من جُرِّدَ في سبيل الله حين قَذَفَهُ الكفَّار في النار، فَجُوزِيَ بأوَّلِ الكسوة في الحشر، وهذه فضيلةٌ جزئيَّةٌ‏.‏

3349- قوله‏:‏ ‏(‏فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ‏:‏ ‏{‏وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ‏}‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ واعلم أنه لا تمسُّكَ فيه للمتنبيِّ الكاذب اللعين على وفاة عيسى عليه السلام، فإن هذا القولَ يَصْدُرُ منه صلى الله عليه وسلّم في المحشر‏.‏ وقد حَكَى اللَّهُ سبحانه هذا القولَ عن عيسى عليه الصلاة والسلام في القرآن، فهذه الحكايةُ ماضيةٌ بالنسبة إلى قول النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في المحشر لا محالة، ولذا قال‏:‏ «كما قال العبد الصالح»، بصيغة الماضي‏.‏

3350- قوله‏:‏ ‏(‏فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ يا رَبِّ إنَّكَ وَعَدْتَنِي‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وإنما تلقَّفها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لمثل هذا الموضع على طريق الاقتباس فقط‏.‏ أَلاَ تَرَى أنها وَقَعَتْ في الأصل جواباً عن سؤاله تعالى‏:‏ ‏{‏أَءنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ ‏(‏المائدة‏:‏ 116‏)‏، ونبيِّنا صلى الله عليه وسلّم يُسْأَلُ عن ذلِك‏.‏ وإنما قال ذَلِكَ حين رأى بعضَ أصحابه يؤخذ عنه ذات الشمال، فنادى أنهم أصحابي، فقيل له‏:‏ «إنَّك لا تَدْرِي ما أَحْدَثُوه بعدك»‏.‏ فاعْتَذَرَ عن تلك الكلمات التي بَلَغْتَ إلى مكان القَبُول على طريق الاقتباس‏.‏ فإذا لم يَتَّحِدْ السؤالُ، كيف يَتَّحِدُ الجواب‏؟‏ ولكن الجواب لمَّا كان حاوياً لجميع الأطراف، والجوابُ مُرَاعِياً لسائر الآداب والعواطف، اصطفاه لاعتذاره أيضاً‏.‏

ثم إن نفيَ العِلْمِ عن نفسه من آداب حضرة الربوبية، أَلاَ تَرَى أن الملائكةَ حين اعْتَذَرُوا عن أنفسهم، قالوا‏:‏ ‏{‏لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 32‏)‏ وكذلك فَعَلَ الرُّسُلُ، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 109‏)‏، وليس هذا كَذِباً، بل عَلمُ العبد بجنب علم الله متلاشىً، ولا شيء‏.‏ وقد كان موسى عليه السلام نَسَبَ الأعْلَمِيَّة إلى نفسه مرَّةً، فجُوزِيَ بلقاء الخَضِر عليه الصلاة والسلام، وأَبْرَزَ له عِلْمَهُ في كلِّ موضعٍ حتَّى بموضعٍ لَقِيَهُ أيضاً، فَلَمْ يَلْقَهُ حتَّى جاز مكانه، ثم رَجَعَ على آثاره قصصاً‏.‏ وقد غَفَلَ عنه الملائكةُ أولاً، فابتلوا بإِنباء الأسماء، فلم يَفْعَلُوا‏.‏

وليس المَحْشَرُ موضعَ ادِّعَاء عِلْمٍ، وإن كان عندهم عِلْمٌ دون عِلْمٍ، فذلك كالعدم‏.‏ والعلمُ يومئذٍ كله لعلاَّم الغيوب، ولا ينفي ذلك نفس العلم إجمالاً أصلاً، ثم ههنا كلماتٌ طويلةُ الأذيال طَوَيْنا عنها كَشْحاً لغرابة المقال، وإنما ذكرنا شيئاً سَنَحَ لنا في الحال، والأمرُ إلى الله العليِّ المتعال‏.‏ تقدَّم لي شفاعته، مع أنه لا يُغْفَرُ له رجاءً في تخفيف العذاب، وتخفيفُ العذاب في حقِّ الكافرِ ثابتٌ، فإن قُرُبَاتِهِ نافعةٌ البتة، كما مرَّ تحقيقه‏.‏ وإن أبا طالبٍ يكون في ضَحْضَاحٍ من النار، على أنه ناظرٌ إذ ذاك إلى وعده تعالى، ولذا قال‏:‏ «إنك وَعَدْتَني أن لا تخْزِيَنِي يومَ يُبْعَثُون»، فَحَمَلَهُ على العموم‏.‏

3350- قوله‏:‏ ‏(‏فإذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ‏)‏ قال الشيخُ الأكبرُ‏:‏ وإنما مُسِخَ في هذه الصورة لتنقطعَ عنه شفقةُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام‏.‏

3351- قوله‏:‏ ‏(‏أَمَّا هُمْ، فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ المَلاَئِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتاً فِيهِ صُورَةٌ‏)‏، وفيه دليلٌ على كونه مشهوراً فيما بينهم أيضاً، ولعلَّه كان في الأديان السماوية السابقة أيضاً‏.‏

3356- قوله‏:‏ ‏(‏اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السلام، وهُوَ ابنُ ثَمَانِينَ سَنَةً‏)‏ فلمَّا شَكَا إلى ربِّه بالوجع، قال الله تعالى‏:‏ لِمَ عَجِلْتَ، وما انتظرتَ أمري‏؟‏ فسبحان الله من معاملات الأنبياء عليهم السلام مع ربِّهم، فاقدر من ذلك أحوالهم‏.‏ ولو فَعَلَ نحوَه أحدٌ من العوامِّ لغُفِرَ له، وهؤلاء يُعَاتَبُون عليه‏.‏ نعم الكمالُ في الامتثال، والنظرُ إلى الله سبحانه في كلِّ حالٍ‏.‏

3358- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ‏)‏ تَسَامَحَ فيه الراوي، وإلاَّ فلم يَقْدِرْ عدوُ اللَّهِ على التناول، ولكنه ذَهَبَ ليتناول، فَأُخِذَ، كما في اللفظِ الأوَّلِ‏.‏

3359- قوله‏:‏ ‏(‏أَمَرَ بِقَتْلِ الوَزَغِ‏)‏، فيه دليلٌ على تقسيم الحيوانات أيضاً إلى الخبيث والطيب، كالإِنسان، وكان الوَزَغُ يَنْفُخُ في النار التي أُوقِدَتْ لخليل الله عليه الصلاة والسلام والتسليم، كما في البخاريِّ، فأمر بقتله‏.‏

وعند مسلم ما يَدُلُّ على الوعد بقتله بضربةٍ‏.‏

3362- قوله‏:‏ ‏(‏يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلاَ أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَ زَمْزَمَ عَيْناً مَعِيناً‏)‏ وحديثها‏:‏ أنها لمَّا وَلَدَتْ إسماعيلَ عليه الصلاة والسلام غَارَتْ عليه سارة، وقالت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام‏:‏ فرِّق بيني وبينها، فَتَرَكَ هاجر عند البيت، عند أَكَمَةٍ، ولم تكن هناك عمارة إذ ذاك، ولا ماء، وهنالك دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، عند عَقِب الأَكَمَةِ‏:‏ ‏{‏رَّبَّنَآ إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ‏}‏ ‏(‏إبراهيم‏:‏ 37‏)‏، ورفع يديه إلى آخر القصة، كما سَرَدَها البخاريُّ‏.‏

واعلم أن في «تاريخ ديار بكر»‏:‏ أن رَفْعَ اليدين سنةٌ إبراهيميَّةٌ، وجرَّه الشافعية إلى مذهبهم، وحَمَلَه الحنفيةُ على التحريمة‏.‏ وهو عندي خارجٌ عن موضع النزاع، لأن ما ذكره من رفع يديه هو الرفع في الدعاء، فَنَقَلُوه إلى الصلاة، من عَجَلَةٍ تعتري المرء عند الظَّفر بالمقصود‏.‏

فائدة‏:‏ اشتهر عند أصحاب التاريخ أن ابتداءَ تعمير مكة من زمن إسماعيل عليه الصلاة والسلام، ويُسْتَفَادُ من رواية الترمذيِّ من قصة وفد عاد، أنها كانت موضعاً مشتهراً بإِجابة الدعوة‏.‏ وبَعَثَ إليه عادٌ أناساً، فَنَزَلُوا بها، إلى آخر القصة‏.‏ أقولُ‏:‏ لا ريب أنها كانت محلاًّ مكرَّماً من زمنٍ قديمٍ، إلاَّ أنه يمكن أن تكونَ خَرِبَتْ في البين، ثم ابْتُدِىء تعميرها من زمن إسماعيل عليه الصلاة والسلام‏.‏ وفي التاريخ‏:‏ ذكرٌ للأسباط الذين دَخَلُوا مكة من عادٍ‏.‏ وكانت سلطنتهم على إيران أيضاً، فإن الضحَّاك منهم، فإنه ابن أخٍ لعاد، وكانت سلطنتهم على الشام، ومصر، والعراق أيضاً‏.‏

3364- قوله‏:‏ ‏(‏ذَاكِ أِبي، وقَدْ أَمَرَني أَنْ أُفَارِقَكِ، إلْحَقِي بِأَهْلِكِ‏)‏ واعلم أنه من ألفاظ الكِنَايَات، والواقعُ بها بوائنٌ عندنا‏.‏ وفي مبسوطات الفِقْهِ‏:‏ أن الواحدَ البائنَ أيضا بِدَعِيٌّ؛ فكيف طلَّق به إسماعيلُ عليه الصلاة والسلام‏؟‏ والجواب عندي، واستفدته من مسألةٍ عن محمد في «المنتقى»، وهي‏:‏ أن الخُلْعَ جائزٌ في حالة الحَيْضِ، مع أن الخُلْعَ طلاقٌ بائنٌ، والطلاقُ في حالة الحيض بِدَعِيٌّ، فإذا ثَبَتَ الجوازُ في موضعٍ لأجل الضرورة، قِسْتُ عليه جوازه في مَوْضِعٍ آخرَ أيضاً، وهو عندي‏:‏ عدم التوافق والعزمُ على تركها بالكليَّة‏.‏

3366- قوله‏:‏ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا‏؟‏ قال‏:‏ أَرْبَعُونَ سَنَةً‏)‏ قيل‏:‏ إن المسجدَ الأقصى من تعمير سليمان عليه الصلاة والسلام، وإن كان ابتداؤُه من داود عليه الصلاة والسلام، وبينه وبين إبراهيم عليه الصلاة والسلام قرونٌ متطاولةٌ‏.‏ والجوابُ على ما اختاره ابن القيِّم‏:‏ أن تعيينَ مكان المسجد الأقصى كان من يد إسحاق عليه الصلاة والسلام، فإنه كان غَرَزَ وَتَداً هناك، كما في التوراة‏.‏ فأمكن أن تكونَ المدَّةُ المذكورةُ بين البناءين بهذا الاعتبار‏.‏ وللقوم ههنا أجوبةٌ أخرى، ذَكَرَها الشارِحُون‏.‏ وقد قدَّمنا الكلامَ في تحقيق القِبْلَتَيْن في باب الإِيمان، وأن الأقربَ عندنا أنهما من بناء إبراهيم عليه الصلاة والسلام‏.‏ فإن الذبيحَ عندي اثنان‏.‏ وكان إسحاقُ عليه الصلاة والسَّلام قُرِّبَ به في بيت المقدس، وإسماعيلُ عليه الصلاة والسلام في مكة، فكانتا قِبْلَتَيْنِ لبني إسرائيل، وبني إسماعيل‏.‏

فإذا عَلِمْتَ أنهما قِبْلَتَان إبراهيميتان، وأن الذبيحَ اثنان‏.‏ وأنه ما معنى قوله‏:‏ «أنا ابن الذبيحين»، فاعلم أن التقسيمَ بينهما، كان إمَّا باعتبار البلاد، أو الأقوام‏.‏ فكان أهلُ المدينة يَسْتَقْبِلُون بيت المقدس لكونهم في عِدَاد من كانت قبلتهم بيت المَقْدِس، فمشى عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم إلى ستة عشر، أو سبعة عشر شهراً، وحينئذٍ لا يَحْتَاج إلى القول بالنَّسْخِ‏.‏

3366- قوله‏:‏ ‏(‏ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّهْ‏)‏ وقَد مرَّ منِّي‏:‏ أن مراقبةَ الأوقاتِ كانت أهمَّ قبل بناء المساجد، وبعد بنائها صارت الصلاة فيها مطلوبةً‏.‏ فالزمانُ والمكانُ كلاهما مطلوبان في شرعنا، وإن كان أحدُهما أَقْدَمَ من الآخر‏.‏

3370- قوله‏:‏ ‏(‏كما بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وعلى آل إبراهيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏)‏ وفيه إشارةٌ إلى ما في القرآن من لفظ الملائكة لمَّا نَزَلُوا على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقالوا‏:‏ ‏{‏رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 73‏)‏‏.‏

3371- قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏بكلمات التَّامَّةِ‏}‏‏)‏ ‏(‏هود‏:‏ 73‏)‏‏.‏ وكلماتُه تعالى تامَّةٌ كلُّها بلا ريب‏.‏ أمَّا الهَامَّةُ، فقيل‏:‏ إنها المُؤْذِيَات، وقيل‏:‏ الهَامَة- بتخفيف الميم ‏:‏ حيوانٌ من خصائصه الخَرَابُ حيثما تصوَّت‏.‏ وقيل‏:‏ كان طائرٌ يَخْرُجُ من رأس المقتول، يقول‏:‏ اسقوني اسقوني، حتى يُؤْخَذَ بدمه‏.‏ وكان كلُّ ذلك من معتقداتهم السوآى‏.‏

3371- قوله‏:‏ ‏(‏عَيْنٍ لاَمَّةٍ‏)‏‏:‏ أي التي تَلُمُّ بِكَ‏)‏ بهئكنى والى هو‏.‏

باب

‏{‏وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيفِ إِبْرَاهِيمَ إِذ دخلوا عليه‏}‏ الآية ‏(‏الحجر‏:‏ 51‏)‏ لا تَوْجَلْ‏:‏ لا تَخَفْ ‏{‏وَإِذْ قَالَ إِبْرهِيمُ رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى‏}‏ إِلى قوله‏:‏ ‏{‏وَلَكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 260‏)‏‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ فِى الْكِتَبِ إِسْمَعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَدِقَ الْوَعْدِ‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 54‏)‏

باب‏:‏ قِصَّةِ إِسْحاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيهِمَا السَّلاَم

فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ ‏{‏أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 133‏)‏

باب

‏{‏وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ أَءنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ النّسَآء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ فَأَنجَيْنَهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَهَا مِنَ الْغَبِرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَآء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ‏}‏ ‏(‏النمل‏:‏ 54- 58‏)‏‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ المُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ‏}‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 62‏)‏

‏{‏بِرُكْنِهِ‏}‏ ‏(‏الذاريات‏:‏ 39‏)‏‏:‏ بِمَنْ مَعَهُ لأَنَّهُمْ قُوَّتُهُ‏.‏ ‏{‏تَرْكَنُواْ‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 113‏)‏ تَمِيلوا‏.‏ فَأَنْكَرَهُمْ وَنَكِرَهُمْ وَاسْتَنْكَرَهُمْ وَاحِدٌ‏.‏ ‏{‏يُهْرَعُونَ‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 78‏)‏‏:‏ يُسْرِعُونَ، ‏{‏دَابِرُ‏}‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 66‏)‏ آخِرَ‏.‏ ‏{‏صَيْحَةً‏}‏ ‏(‏يس‏:‏ 29‏)‏ هَلَكَةٌ‏.‏ ‏{‏لِلمُتَوَسِّمِينَ‏}‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 75‏)‏‏.‏ لِلنَّاظِرِينَ‏.‏ ‏{‏لَبِسَبِيلٍ‏}‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 76‏)‏‏:‏ لَبِطَرِيقٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن‏}‏‏)‏ واسْتَشْكَلُوا هذا السؤال‏.‏ قلتُ‏:‏ وفي الكلام أنواعٌ لم يتعرَّض إليها النحاةُ، منها ما لا يكونُ له محكى عنه، لا عند المتكلِّمِ، ولا عند المُخَاطَبِ، كالكلام عند مُعَاتَبَةٍ أو مُلاَطَفَةٍ، أو مُطَايَبَةٍ، كما تقول لخادمك‏:‏ ما شَأْنُكَ تعصيني في كلِّ أمرٍ‏.‏ ولا تُطِيعُنِي، مع عِلْمِكَ أنه مخلصٌ لك، ولا يكون في ذهن المخاطب أيضاً، أنك تُذْعِنُ به عن جَذْرِ قلبك، ولكنك تُخْرِجُهُ للتهويل عبارةً‏.‏ والتبكيت معارضةً في اللفظ، لا غير‏.‏ ولو دوَّن الناسُ ما عند البُلَغَاء من أنحاء الكلام، لارتفع أكثرُ الإِشكالات، فإنها تكونُ من هذا القبيل، وقد نبَّه على بعضها أهل المعاني‏.‏ ويمكن دَرْجُه في الخبر، ولكن ليس المقصود منه الخبر، بل لازمُ فائدة الخبر، على اصطلاحهم‏.‏ وصرَّح التَّفْتَازانيُّ في «المطوَّل»‏:‏ أن للخبرِ فوائدَ أخرى، كالتحزُّن، والتحسُّر أيضاً‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَلِحًا‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 61‏)‏

وقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَذَّبَ أَصْحَبُ الحِجْرِ‏}‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 80‏)‏ مَوْضِعُ ثَمُودَ‏.‏ وَأَمَّا ‏{‏وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏}‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 138‏)‏ حَرَامٌ، وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهُوَ حِجْرٌ مَحْجُورٌ، وَالحِجْرُ كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيتَهُ، وَما حَجَرْتَ عَلَيهِ مِنَ الأَرْضِ فَهُوَ حِجْرٌ، وَمِنْهُ سُمِّيَ حَطِيمُ البَيتِ حِجْراً، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُومٍ، مِثْلُ قَتِيلٍ مِنْ مَقْتُولٍ، وَيُقَالُ لِلأُنْثى مِنَ الخَيْلِ الحِجْرُ، وَيُقَالُ لِلعَقْلِ حِجْرٌ وَحِجًى‏.‏ وَأَمَّا حَجْرُ اليَمَامَةِ فَهُوَ مَنْزِلٌ‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 133‏)‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايَتٌ لّلسَّآئِلِينَ‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 7‏)‏

قالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏اسْتَيْأَسُواْ‏}‏ افتَعَلُوا، مِنْ يَئِسْتُ ‏{‏مِنْهُ‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 80‏)‏ مِنْ يُوسُفَ ‏{‏وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 87‏)‏ مَعْنَاهُ الرَّجاءُ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ‏}‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 83‏)‏

‏{‏ارْكُضْ‏}‏ ‏(‏ص‏:‏ 42‏)‏‏:‏ اضْرِبْ، ‏{‏يَرْكُضُونَ‏}‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 12‏)‏ يَعْدُونَ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ الله‏:‏ ‏{‏وَاذْكُرْ فِى الْكِتَبِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً وَنَدَيْنَهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الاْيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً‏}‏ كَلَّمَهُ ‏{‏وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَرُونَ نَبِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 51- 53‏)‏

يُقَالُ لِلوَاحِدِ وَلِلاِثْنَينِ وَالجَمِيعِ نَجِيٌّ، وَيُقَالُ‏:‏ ‏{‏خَلَصُواْ نَجِيّا‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 80‏)‏ اعْتَزَلُوا نَجِيّاً‏.‏ وَالجَمِيعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ‏.‏ ‏{‏تَلْقَفُ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 117‏)‏‏:‏ تَلَقَّمُ‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَنَهُ‏}‏إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ‏}‏

النَّامُوسُ‏:‏ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي يُطْلِعُهُ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيرِهِ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل

‏{‏وَهَل أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسى إِذْ رَأَى نَاراً‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِالوَادِي المُقَدَّسِ طُوى‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 9- 12‏)‏، ‏{‏ءانَسْتُ‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 10‏)‏ أَبْصَرْتُ ‏{‏نَاراً لَّعَلّى آتِيكُمْ مّنْهَا بِقَبَسٍ‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 10‏)‏ الآية‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ المُقَدَّسُ‏:‏ المُبَارَكُ، ‏{‏طُوى‏}‏‏:‏ اسْمُ الوَادِي‏.‏ ‏{‏سِيَرتَهَا‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 21‏)‏ حَالَتَهَا‏.‏ وَ‏{‏النُّهَى‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 54‏)‏‏:‏ التُّقَى‏.‏ ‏{‏بِمَلْكِنَا‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 87‏)‏ بِأَمْرِنَا‏.‏ ‏{‏هَوَى‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 81‏)‏ شَقِيَ‏.‏ ‏{‏فَارِغاً‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 10‏)‏ إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسى‏.‏ ‏{‏رِدْأً‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 34‏)‏ كَي يُصَدِّقَنِي، وَيُقَالُ‏:‏ مُغِيثاً أَوْ مُعِيناً‏.‏ يَبْطُشُ وَيَبْطِشُ‏.‏ ‏{‏يَأْتَمِرُونَ‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 20‏)‏ يَتَشَاوَرُونَ‏.‏ وَالجِذْوَةُ قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الخَشَبِ لَيسَ فِيهَا لَهَبٌ‏.‏ ‏{‏سَنَشُدُّ‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 35‏)‏ سَنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيئاً فَقَدْ جَعَلتَ لَهُ عَضُداً‏.‏ وَقَالَ غَيرُهُ‏:‏ كُلَّمَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ فَهيَ عُقْدَةٌ‏.‏

‏{‏أَزْرِي‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 31‏)‏ ظَهْرِي‏.‏ ‏{‏فَيُسْحِتَكُم‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 61‏)‏ فَيُهْلِكَكُمْ‏.‏ ‏{‏المُثْلَى‏}‏‏:‏ ‏(‏طه‏:‏ 63‏)‏ تَأْنِيثُ الأَمْثَلِ، يَقُولُ‏:‏ بِدِينِكُمْ، يُقَالُ‏:‏ خُذِ المُثْلَى خُذِ الأَمْثَل‏.‏ ‏{‏ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 64‏)‏‏:‏ يُقَالُ‏:‏ هَل أَتَيتَ الصَّفَّ اليَوْمَ، يَعْنِي المُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ‏.‏ ‏{‏فَأَوْجَسَ‏}‏ أَضْمَرَ خَوْفاً، فَذَهَبَتِ الوَاوُ مِنْ ‏{‏خِيفَةً‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 67‏)‏ لِكَسْرَةِ الخَاءِ‏.‏ ‏{‏فِى جُذُوعِ النَّخْلِ‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 71‏)‏ عَلَى جُذُوعِ‏.‏ ‏{‏خَطْبُكَ‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 95‏)‏ بَالُكَ‏.‏ ‏{‏مِسَاسَ‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 97‏)‏ مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاساً‏.‏ ‏{‏لَنَنسِفَنَّهُ‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 17‏)‏ لَنُذْرِيَنَّهُ‏.‏ الضَّحاءُ الحَرُّ ‏{‏قُصّيهِ‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 11‏)‏ اتَّبِعِي أَثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ تَقُصَّ الكَلاَمَ‏.‏ ‏{‏نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ‏}‏ ‏(‏يوسف‏:‏ 77‏)‏ ‏{‏عَن جُنُبٍ‏}‏ ‏(‏القصص‏:‏ 11‏)‏ عَنْ بُعْدٍ، وَعَنْ جَنَابَةٍ وَعَنِ اجْتِنَابٍ وَاحِدٌ‏.‏

قَالَ مُجَاهِدٌ ‏{‏عَلَى قَدَرٍ‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 40‏)‏ مَوْعِد‏.‏ ‏{‏وَلاَ تَنِيَا‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 42‏)‏ لا تَضْعُفَا‏.‏ ‏{‏يَبَساً‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 77‏)‏ يَابِساً‏.‏ ‏{‏مّن زِينَةِ الْقَوْمِ‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 87‏)‏ الحُلِيِّ الَّذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ‏.‏ ‏{‏فَقَذَفتُهَا‏}‏ أَلقَيتُهَا‏.‏ ‏{‏أَلْقَى‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 87‏)‏ صَنَعَ‏.‏ ‏{‏فَنَسِىَ‏}‏ ‏(‏طه 88‏)‏ مُوسى، هُمْ يَقُولُونَهُ‏:‏ أَخْطَأَ الرَّبُّ‏.‏ ‏{‏أَنْ لاَ يَرْجِعَ إِلَيهِمْ قَوْلاً‏}‏ ‏(‏طه‏:‏ 87‏)‏ فِي العِجْلِ‏.‏

تَابَعَهُ ثَابِتٌ، وَعَبَّادُ بْنُ أَبِي عَلِيّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ ‏{‏وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَنَهُ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏مُسْرِفٌ كَذَّابٌ‏}‏

باب‏:‏ ‏{‏وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى‏}‏ ‏(‏طه‏:‏9‏)‏ ‏{‏وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏164‏)‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى

‏{‏وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَتُ رَبّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ؛ وَقَالَ مُوسَى لاِخِيهِ هَرُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ؛ وَلَمَّا جَآء مُوسَى لِمِيقَتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِى‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 141- 143‏)‏‏.‏

يُقَالُ‏:‏ دَكَّهُ زَلزَلَهُ، ‏{‏فَدُكَّتَا‏}‏ ‏(‏الحاقة‏:‏ 14‏)‏ فَدُكِكْنَ، جَعَل الجِبَالَ كالوَاحِدَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏أَنَّ السَّمَوتِ وَالاْرْضَ كَانَتَا رَتْقاً‏}‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 30‏)‏، وَلَمْ يَقُل‏:‏ كُنَّ، رَتْقاً‏:‏ مُلتَصِقَتَينِ، ‏{‏وَأُشْرِبُواْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 93‏)‏ ثَوْبٌ مُشربٌ مَصْبُوغٌ‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏انْبَجَسَتْ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 160‏)‏ انْفَجَرَتْ، ‏{‏وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 171‏)‏ رَفَعْنَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وَمَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الأَرْضِ‏)‏‏:‏ بارلكانا، واعلم أن ثمودَ يُقَالُ لبقايا عادٍ، ولذا يُقَال‏:‏ عادٌ الأُولَى، وعادٌ الثانية‏.‏ فصالحُ عليه الصلاة والسلام قد مضى قبل إبراهيم عليه السلام باتفاق المؤرِّخين، فلا أَدْرِي ما حمل المصنِّفُ على سوء هذا الترتيب، فإنه ذَكَرَهُ بعده، مع أنه قبله‏.‏

3379- قوله‏:‏ ‏(‏وأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ العَجِينَ‏)‏، فيه دليلٌ على أن الشيءَ إذا كان فيه نوعُ خَبَثٍ، يجوز له أن يَدْفَعَهُ عن نفسه، ويُؤْكِلَهُ حيواناً‏.‏ وعند الترمذيِّ‏:‏ «أن رجلاً سَأَلَهُ عن كسب الحِجَامة، فلم يُرَخِّص له فيه، وأمر أن يُؤْكِلَهُ عبده»‏.‏ وكان هذا موضعاً مُشْكِلاً، فإنه دَفْعٌ للمكروه عن نفسه، وإلقاءٌ على الآخر، فَأَرْشَدَ إليه الحديث أنه يَجُوزُ بمثل هذا‏.‏ وقد بَلَغَنَا أن الشيخَ مولانا محمد يعقوب- قُدِّس سرُّه، من أساتذة علماء ديوبند- دُعِيَ إلى بعض طعامٍ، فلم يَذْهَبْ إليه بنفسه، وبَعَثَ إليه بعضَ الطلبة، فكأنه عمل بالتورُّع لنفسه، ورأى الطلبةَ أبناءَ سبيل، فلهم أن يملؤوا بطونَهم بأيِّ نوعٍ تيسَّر لهم، وإن لم يكن أفضل‏.‏

باب‏:‏ طُوفانٍ مِنَ السَّيل

ويُقَالُ لِلمَوْتِ الكَثِيرِ طوفانٌ، ‏{‏وَالْقُمَّلَ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 133‏)‏‏:‏ الحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الحَلَمِ‏.‏ ‏{‏حَقِيقٌ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 105‏)‏ حَقٌّ‏.‏ ‏{‏سُقِطَ‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 149‏)‏ كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِط فِي يَدِهِ‏.‏

باب‏:‏ حَدِيثُ الخَضِرِ مَعَ مُوسى عَلَيهِمَا السَّلاَم

ثُمَّ قَالَ لِي سُفيَانُ‏:‏ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَينِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ، قِيلَ لِسُفيَانَ‏:‏ حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو، أَوْ تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ‏؟‏ وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيرِي‏؟‏ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَينِ، أَوْ ثَلاَثاً، وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ‏.‏